السبت، 27 سبتمبر 2014

أمل رغم الألم ...(قصة قصيرة) ...الجزء السابع



     25آب (اغسطس) 2011


 تذكرت كل شئ، ونظرت من بعيد، وجدت مروان هو يتهرب منها وهي تطلب منه المجيء، ولكنه كان يهرب منها ومن نظراتها بالأخص، ذهبت هي له، انفجر باكياً ليقول بصوت تخنقه العبرات (تحسابيه رخيص والله رضوان كان مش غير صاحبي خوي ، ومن أول يوم عرفت إنه استشهد ماتقوليليش مش شهيد طول عمره يحلفلنا أنا والله بنخش الجنة وانتم شوفوا روحكم، بعد ماتوفى لقيته انه هو اللي كأنه كان يوتي في روحه، والله وصاني عليك، يقولي هذه عيوني زي ما إنت خوي، بالله ترد بالك عليها وماتخليهاش تبكي ، تحسابيه ساهل عليا إني نقولك بنتزوجك، والله مالقيت حل أنا وبوك إلا هكي،بالرغم من إن بوك ماقدرتش نقوله رضوان توفى لأنه كان يحبه هلبا، إنت صح كنتي خطيبة خوي لكن والله من حبه ليك حبيتك وبديت نشوف فيك الشخص المثالي وكان تتذكري زمان شن كان يقولك صاحبي هذا على ما درهتله كبده بيك ويقولي امتى بتتزوج كنت نرد عليه خليلي اميمة والا دورلي زيها طول نتزوجها والله كلام انقال بحسن نية ما نحسابه بيدور الزمان وبيصير) اوقفته بكلماتها (خلاص اسكت معش نبي نسمع شئ الله يرحمك يا رضوان وإنت كفيت ووفيت وربي الشاهد كان رضوان معاي دارلي اللي إنت درته لكن انت درت اكثر مش عارفه شن نقولك لكن والله موضوع الزواج خليها عالزمن توه مانقدرش حتى نفكر فيه) وذهبت وتركته.
لم تقوى على البكاء، حاولت مراراً، من نظرات الشفقة التي تحيط بها، لم تكن تجد دموعا ، كانت تجد اختناقاً فقط ، تطلب على اثره من الله الفرج.


11 أيلول (سبتمبر)2011

رن هاتف أميمة برقم غريب ، بعد أن اعتزلت الكل كما كانت، سألت نفسها أُجيب أم لا؟ فأجابت.
إذا بصوت شاب يقول لها (مهندسة أميمة) ردت (نعم) قال (أنا المهندس محمد عاطي) فتذكرته صديق رضوان رحمه الله الذي لا يطيقها ماذا يريد ؟، صمتت وهو أيضا صمت، فأيقنت أنه يريد اخبارها بأن رضوان توفاه الله، ردت (نندري بيه رضوان توفى) فانفجر محمد بالبكاء ،وكأنما هذا هو ما كانت تنتظره، كانت تنتظر أحداً من أهله ليؤكد لها خبر الوفاة، انفجرت باكية كالأطفال، لأول مرة منذ أن رأته في المنام في تاريخ وفاته ، بكيا معاً ، حتى إن كان لا يطيقها قبلاً ، وجد بينهما رضوان رفيق دربه الرابط بينهما، فاردف قائلاً (تتذكري لما كان يقوللنا بنخش الجنة وانتم شوفوا روحكم) بكت ثانية وهو يقول (ماتبكيش هو صح فقدناه لكن طول عمرنا بيقعد معانا بالله عليك سامحيه والله كان يحبك وانا اللي كنت نزن عليه يسيبك لكن هو اثبتلك بالله عليك سامحيه) لم ترد اميمة سوى بكاءاً، تمالكت نفسها فقالت له اسرد لي كيف توفى، أو كيف استشهد كما أوصاني أن أقول، رد (في هذاك اليوم كان جنبي لما كلمك ، كيف خاش جيش القذافي ، احنا واجهنا بلا سلاح، يا دوب تسعه مللي للي عنده حد في الشرطة والا الجيش، قدمنا هما وصلوا الجزيرة قلنا بنتفاهموا، بدي علينا الصلي العشوائي، طبعا هو ووليد وسالم قدموا قدامنا أنا وأيمن، وروحهم طلعت طول حتى نشوفوا فيهم ماتوا طول، ماقدرناش نسعفوهم ، والرصاص يصلي، هربنا، وبعدين اللي بعدنا جوهم رفعوهم للعيادة المجمعة، طبعا معش عرفنا نوصلولهم لأن الشارع اللي الكتائب فيه هو اللي فيه العيادة، بعد أربعة ايام في الليل قالوا جبنا اللي في الثلاجة جينا بندفنوهم قالوا واحد منهم رضوان، مشينا للجنازة مع بعض لما خوه فتح التابوت قال مش هو، قال بالك خوي حي، وانا نبكي نقوله والله رضوان مات) ارتفع صوت نحيب أميمة فاكمل (عرفوه اللي في التابوت ولد مني ودفنناه ، وبعدين وبعد اربعة ايام في الليل وتحديداً يوم الخميس وصلنا للعيادة المجمعة، لقينا الجثت في الثلاجات وهارب عليها الضي، شبه متحللة، قدم دكتور معانا قالي يا محمد هاذم مكتوب ورقة عليها اساميهم وبدي يسمي فس الاسماء، قال اهوا مكتوب عليه رضوان هذا صاحبك ، ماقدرتش نقدم ، قلتله بالله اعفيني ، سألني شن كان لابس قلتله تيشرت حني ، لأنه الدم معبي ومحلل مش باينله لون، قالي تربح تعالى ، رد الصورة اللي شفته فيها مانبيش نشوهها، قاله ماتندريش على أي علامة مميزة فيه ، تذكرت الحادث اللي على خاطرك يا أميمة) وزاد بكاء أميمة وأكمل (قلتله جهة اليمين من الكتف للمرفق بلاتين شافها الدكتور وقاله صح هذا صاحبك، والله بكيت عليه وكأن مش قدامي مات، روحنا بيه لأماليه اللي أمه مدايرة عزاء من هذاك اليوم من حرقة قلبها، دفنناه يوم الجمعة ، اول جمعة ينقلوا فيها الصلاة في الجزيرة يوم 25 مارس وبدت علينا الرماية ودفنناهم، وروحت جتني أمه تقولي هان عليك صاحبك حطيته في التراب وانتحب صوته) تذكرت أميمة حرقة قلبها ذلك اليوم، لم تكن تدري أن الحادث سيكون السبب في التعرف عليه، ولم تكن تدري أن التي كانت تشاهدهم وقلبها ينزف من بينهم رضوان وهو يزف إلى قبره، صمت محمد قليلاً فقال لها (أنا كنت نبي نكلمك مانبيش تشوفيه في صورة أو اي شئ تنصدمي، وحتى عمي خليل بو رضوان قالي كلمها البنت أكيد تستنى فيه اللي كان يبي يتزوجها في شهر سته ربي خذي أمانته قبل ما توصل فينا قوللها تسامحنا ، وتزورنا لأن ماعنداش الجرأة انه يكلمك) صمتت أميمة وردت بصوت يخنقه العبرات (سلملي عليهم وعزيهم نيابة عني وقوللهم سامحوني مش حنقدر نجي وانت يا محمد سامحني، ولما تزور رضوان في قبره أو يجيك في المنام ماتنساش تسلملي عليه).
اقفلا الخط وبكت أميمة على رضوان وكأنها لأول مرة تدري أنه توفاه الأجل، كانت ليلة عصيبة، اتصل بها مروان ، لم ترد ، ولم تعطه الفرصة أبداً ليبرر لها لما اخفى وفاة رضوان طيلة هذه الأشهر.




10تشرين الأول (أكتوبر)2011

كانت جموع الثوار ذاهبة الى سرت، في انتظار القبض على من عاث في البلاد فساداً، وقتل العديد، كانت أميمة كبقية الشعب تنتظر النهاية، منذ رجوعها للبيت لم تخرج منه قط، تنتظر حتى تكتمل الفرحة بقتل القذافي، كان والدها يقول لها مراراً (مروان يسلم عليك ويقولك العرض قاعد أمتى ما تفكري) وكانت هي لا تعطي الموضوع أي أهمية، فجلست بينها وبين نفسها، وجدت أن مروان لم يخطيء في حقها، بل كان لها نعم الاخ والصديق في محنتها، فقالت سأتصل به، اتصلت لم يجيب، اعادت الإتصال، فُتح الخط اجابت (السلام عليكم) رد صوت اخر انثوي ليس بصوت مروان (وعليكم السلام) ردت أميمة (هذا هاتف الدكتور مروان) ردت (نعم أنتِ أميمة) قالت (نعم) قالت (أنا إيمان شقيقته اليوم اصيب مروان برصاصة في صدره بجانب القلب كان في المستشفى الميداني في سرت يُسعف الجرحى ونُقل إلى مستشفى بألمانيا مباشرة بالاسعاف الطائر، قبل أن يصاب وأن يذهب لسرت كان على يقين أنك ستتصلين فقال لي طمئنيها) ذهلت أميمة شعرت وكأنه عام الحزن، كم ستفقد من صديق ورفيق في هذه الثورة، قالت لها (ارجوك إن حدث شئ طمئنيني ولو برسالة)، اخبرت والدها ، فقال لها لنذهب إليهم، لم ترضى، كان كل يوم يمر عليها أصعب، كانت وكأنها تنتظر أن يُزف لها خبر وفاته أيضا ، تبعث برسائل لإيمان فترد بنفس الرسالة (حالته كالسابق ، يحتاج منا الدعاء فقط فلتكثري من دعائك).
مرت الأيام وجاء يوم 20 أكتوبر حيث قُبض على القذافي ، لم يكن لها أي ردة فعل من الصدمة، كانت لا تدري ماذا ستقول ، تكتفي بحسبي الله ونعم الوكيل فيك يا ظالم، تذكرت رضوان، ومروان كيف كانا سيفرحان ، كانا ينتظران هذا اليوم .
تذكرت كيف توفي رضوان وهو قبل لحظات من وفاتها يتصل بها ليودعها وكأنه يعد نفسه ليلحق بركب الشهداء، كانت تنظر للكل والكل يبكي لكنها لم تستطع البكاء من هول الصدمة.



21 تشرين الأول (اكتوبر) 2011

صباح جديد بدون الظالم، الكل فرح، وهي نظرت لهاتفها ، لتجد رسالة من شقيقة مروان إيمان (مروان توفاه الله بعد أن حقق له ما يبتغي ، رحمه الله كان يحبك بعد أن عزف سنيناً عن الزواج، اتمنى أن اراك ، فهاتفه أوصى به لأجلك)
صُدمت أميمة تذكرت كلام مروان عند كل نكبة، أو خبر ليس في صالح الثوار، عندما يقول (ياربي يوم واحد بس نتنفس فيه في هالدنيا بعد القذافي ، وبعدين خوذ امانتك عادي) نزلت دمعتاها ، كيف أنه تنفس في هذه الدنيا ولم يكن هنا ولكنه لم يكن يعي أصلا بأن القذافي قد مات، كتبت لإيمان  (رحمه الله كان نعم الشخص، لا اريد منه شيئاً فأنا سأتذكره بدون أي شئ، فما فعله معي لا يفعله إلا أخ لأخته اسأل الله أن يمدكم الصبر).
ذهبت لوالدها اخبرته بوفاة مروان، بكى الجميع ، وكان الكل ينظر إليها ، أي قلب ذاك التي تحملين، وأي قسوة تلك التي لا تجعلك تنهارين أمام الكل.
في نفس اليوم ليلاً ، فتحت الانترنت ، تقرأ وتنظر ماذا حدث ببلادها، ترى صور الدمار، وكل من رَوت دمائهم تراب بلادها.
فتحت حسابها على الفيس بوك، وجدت كل الصفحات تتحدث، وجدت الكثير من الذين تعرفهم، قامت بإضافتهم، وكان بينهم (أحمد) قريبها الذي كان يدرس معها في كلية الهندسة، الذي كان يسلم يوماً عليها، وكان يمر من أمامها آخر دون أن يعيرها أي اهتمام، كان يدرس في كندا ، تذكرت كيف كانت احلامها بالسفر والدراسة قبل وفاة اشرف، تحسرت قليلاً، لكنها سرعان ما قامت بإضافته ......










يتبع 





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق