الخميس، 18 سبتمبر 2014

أمل رغم الألم ...(قصة قصيرة ) ....الجزء السادس

17شباط (فبراير) 2011

ردت (معقولة ما تجينيش وماتكلمنيش أما حب هذا شني يا فالح والا ضمنتني خلاص معاك معش بتدورني ) رد بكل حزن وهدوء قائلا (انا في مصراته اليوم سراج استشهد طلعنا ثورة عالقذافي يا أميمة وقلت لأمك ما تقولكش الناس تموت وربك يستر ردي بالك على روحك وتو الدكتور مروان كل مرة يجيك ويرد باله منك لين تروحي وان شاء الله تتم القصة على خير وسامحيني لأني قصرت وماجيتكش).
أميمة اقفلت تنظر لوالدتها (طلعنا ثورة عالقذافي داروها الرجالة حي عليهم بيقتلهم كلهم وانا نقول لما فقت من البنج نحساب المراة اللي جنبي تهتري من البنج تقول صكروا الرواشن عن يجونا قلت شكلها تتخيل لكن والله صحة ليهم داروها) تنظر إليها والدتها لتقول (اسكتي توه مش وقتك عن يطبونا).
بعد حين أتى الطبيب مروان يقول (اليوم حالك ماشاء الله يا أميمة ماعنده علاش خايف رضوان تو السبت نديرولك خروج).
مر يوم الجمعة من اطول الأيام، لم تكن تدري كيف سيمر اليوم، تريد أن ترجع البيت لترى الأخبار، لترى والدها، لتقول له لقد حدث مثلما تمنيت، جاء مروان ثانية، وقال لها غذا ستخرجين وهذا رقمي إذا حدث أي طاريء، اتصل بها رضوان ليطمئن على صحتها وصوته حزين لأجل سراج.
انتظرت الصباح لملمت أشيائها لترجع لبيتها،جاء خالها رجع بها للبيت، كانت ترى الطريق فارغة في ساعة الذروة، تقول (هو الشعب طلع عالقذافي ومازال خايف يطلع للشارع والا ولوا في كلامهم والاشني) رد خالها (اسكتي هذا غير مريضه) ابتسمت ووصلت للبيت.





22 شباط (فبراير) 2011


بعد تحسن صحتها جزئياً، اتصلت بها صديقتها بالعمل تدعى جميلة تونسية الجنسية، تعمل هي زوجها معها، كانت خائفة مما يحدث في البلاد، عرضت أميمة أن تأتي هي زوجها للبيت لديهم لعلها تهدأ، وفعلا أتت هي وجمال زوجها، في نفس الليلة حادثها رضوان ولم يكن يجد الوقت الكافي لمحادثتها طيلة اليوم لأنهم يحرسون مدينتهم، قال لها اغلقي فالقذافي سيتحدث الان يجب أن أراه، كانت بالكاد تتحرك، بعد أن سمعت الخطاب أُحبطت، كانت تظن بعفويتها أنه سيسلم كل شئ ويذهب، لكن الخطاب أغضبها، نهضت بصعوبة لتذهب لوالدها في غرفة الجلوس، وكان معه أخاها، وجمال،طرقت الباب سلمت قالت لوالدها (يابوي القذافي مازال بيولي) رد بغضب واعصاب مشدودة (بيولي قرد) لم تستطع الرد لأن الكل كان يتوقع أن كل ذا سينتهي سريعا.
اتصلت برضوان تقول (كيف حالك وشن جوك) رد (الحمدلله ماتعدليش على كلامه والله ليبيا ماعاد يحكمها ولايحلم بيها وكان يجيبلنا رولا يساوي بينا الوطا نطلعوا من جديد عليه حتى التراب مايبيشي خلاص تو نطلعوه ونفرحوا احنا ربي بينصرنا) ردت (اعصابك ان شاء الله كل هذا بيصير والحياة بتقعد حلوةغير معش تحرق دمك بس) رد (باهي غير اقعدي معاي بس الحياة بتقعد حلوة وامتى ان شاء الله بتقوليلي نحبك والا حتى هي لين نتزوجوا زي لما قتلك خاطري نشد ايدك) ردت بضحك (انت في شني واحنا في شني تو تتم الحكاية وساهل وامتى مانحس بمشاعر معاك تو نقولك) ضحك رضوان وقال (اللي درتيه فيا بتلقيه الاما تلقي من يشيطلك ريقك ويبخل عليك زي ما إنت باخلة عليا هيا بالسلامة الاولاد من بكري يأشرولي) ردت أميمة (بالسلامه).
مرت الأيام ظناً منهم أن الأزمة ستنتهي بأيام ولكنها إزدادت سوءاً، كل يوم ينتظرون الصباح ، يشاهدون التلفاز، العربية ، الجزيرة، الكل يتحدث عن الوضع الراهن والحرب التي ستأكل أبناء الشعب الواحد.




1آذار (مارس) 2011


كان الصباح ودعت أميمة جميلة وجمال، ليذهبا لتونس بعدما أمن والدها لهم من يوصلهم إلى هناك، وكانت تقول إلى اللقاء ستنتهي الأزمة وسنرجع كما كنا نعمل سابقاً.
جاءت الظهيرة خرج والدها لجنازة احد اقربائه وكان شيخ كبير، كانت المقبرة مكتظة بالناس فخرج وقال (لأمتى بتقعدوا هكي يعفس فيكم القذافي برجليه، لأمتى بتقعدوا ساكتين هيا نوضوا إيد وحدة) فجأة تفرق الجموع، بقي أبناء المتوفى ووالد أميمة فقط، ولم يكن يدري ما عواقب ما فعل.
بعد ذلك بأسبوع أحد أخواتها كانت في الجامعة، ودخلت في مشادة كلامية مع احداهن بسبب الثورة، فرجعت للبيت وقالت لن أذهب ثانية ، وروت لوالدها ما حصل، والدها عقيد في الشرطه، لم يذهب للعمل منذ اندلاع الثورة ، واخوها مهندس حاسب آلي في اللواء 32 المعزز، وايضا لم يذهب للعمل منذ ذلك الحين.
مر اسبوع ، اسبوعان ، الوضع يزداد توثراً، لم يكن هناك أي بودار لحل الأزمة سلمياً ، فالحرب قرعت طبولها في أغلب المناطق، كان رضوان يحادث أميمة بين الحين والاخر، الى أن حلت الأزمة بمدينة مصراته حول بطاقات الدفع المسبق، فطلب رضوان من أميمة تزويده بها.
مرت الأيام تعافت أميمة ، ولكن الشارع اضطرب اكثر، بين مؤيد ومعارض، وبين رجال وجواسيس.
في احد الصباحات اتى والدها لها ليقول أنه رأى حلما فقصه لها قال (لقيت روحي انا لابس بدلتي العسكرية واحد شادني من رقبتي ومنزلني في بركة مياه خضراء وكأنه يضرب فيا ويدخل فيا فيها بالسيف) ردت أميمة (لا يابوي انت شارق في الثورة ان شاء الله خير وهذه اضغات احلام).





15آذار (مارس) 2011


كانت أميمة تحادث رضوان وقال لها أن جيش القذافي سيدخل اليوم لمدينة مصراته وسنتصدى له ولو بصدورنا، خافت أميمة كثيراً على رضوان، أعربت عن قلقها إلى والدها، رد والدها أن الظالم لن ينتصر أبدا.
اتصل رضوان بأميمة على حدود الساعة السادسة ليقول لها بحماس (حبيبتي خلاص القذافي تمتله، وقريب نديروا عرسنا مع عرس بلادنا، وحتى خطوبة مانبوش سادنا اللي شفناه، تو بعدين نكلمك في الليل غير توه عندنا مانديرو).
انتظرته في الليل واتصل ردت كان الحزن يخيم عليه (شكلها مطولة خاشين علينا بترسانة اسلحة ادعيلنا، والله مامسامحينهم شني يديروا في الشعب) ردت أميمة (قداش واحد مات اليوم) رد رضوان (احترمي نفسك وقولي قداش استشهد واحد) رد(خمسة شهداء) ردت (الله يرحمهم ربي ينصرنا) رد (يارب وبالله عليك سامحيني) ردت كما يقول لها عندما تقول له سامحني (أنا مانشيلش منك بش نسامحك) ضحك وقال لها (قولي مسامحاتك) ردت (مسامحاتك) رد (هذا وين ارتحت هيا تو نكلمك بعدين) ردت (استنى ضمنت السماح وانا) رد (مانشيلش منك بش نسامحك ومسامحك دنيا وآخرة هيا سلام توه).
جاء منتصف الليل ، لم يتصل، اتصلت هي الشبكة مشغولة، تذهب للتلفاز تجد عاجل (انقطاع شبكات الاتصالات على مدينة مصراته) ، ذهبت لوالدها لتقول له هذا ، قال لها لا عليك أيام وستنجلي هذه الغيمة السوداء لتمطر أفراحاً علينا.
جاء الصباح اتصلت كثيراً بدون جدوى، رأته في الحلم أنه يودعها، بكت كثيراً، خافت أن القدر سيذيقها مرار الفقد مرة اخرى، بحثت عن رقم الطبيب مروان صديق رضوان، وجدته اتصلت به، رد عليها ، اخبرته أنها أميمة، وتريد أن تطمئن عن رضوان لأنها تدري أنه يمتلك هاتف ثريا، قال لها حادثته قبل قليل وطلب مني محادثتك ، وهو بخير اطمئني ، فرحت وقلبها ممتليء بالحزن لا تدري لما، تقول له اشعر أنه توفي ، وهو يقول لها أقسم لك أنه بأحسن حال.
مرت الأيام وهي تنتظر وميض اتصال منه ، ولكن أكد لها مروان أنه لا يريد توريطها لذلك لم يتصل، تحادث مروان لتسأل عنه وهكذا.





الجمعة 25 آذار (مارس) 2011


تنتظر أميمة كعادتها صلاة الجمعة في مدينة بنغازي في قناة الجزيرة، ولكن لأول مرة تنقل الجزيرة صلاة الجمعة من مدينة مصراته ، فرحت وكأنها ترى في الكل رضوان، كانت تبحث عنه بين الوجوه ، اطمأنت كثيراً لوضع المدينة بالداخل ، ثم نقلوا صلاة الجنازة على خمسة شهداء كانت تتقطع أوصالها حزناً وتدعو الله أن يصبر ذويهم، ثم بدأ الرصاص ينهال على الجموع أثناء الجنازة ، كان موقفاً تقشعر له الأبدان ، لم يتراجعوا استمروا في التكبير ودفنوا موتاهم.
اتصلت بعد صلاة الجمعة بمروان لتسأله عن الأخبار ، وقالت له والدي يريدك، قال له أن يأتي للبيت، جاء للبيت واخبره عن الأوضاع على الارض وما لديه من معلومات .







منتصف نيسان (أبريل ) 2011


كانت من أسوأ ما مر على حياة أميمة وأهلها، خرجوا من بيتهم جميعا، داهمت كتائب القذافي البيت ، اخاها أُعتقل، والدها ذهب بيهم إلى بيت جدهم وخرج ولم يعلموا شيئا عنه، بقت أميمة مع والدتها واخواتها من بيت لبيت، في كل مرة يُطرق الباب يظنون أنه حتفهم، وأن الكتائب جاءت لتعتقلهم كما فعلت بأخيها وكما ظنت أنها فعلت بوالدها أيضا، في كل صباح تنتظر النصر، تنتظر الفرح يغزوهم بعد الألم، تتصل بمروان لتطمئن على رضوان، وهو يتصل ليطمئن عليهم، يأتي ليضع أمام البيت دواء والدتها ويتصل لتخرج وتأخده ، فوالدتها كانت تعاني من مرض في القلب، كان الكل يبكي وكانت أميمة متماسكة وتقول سينصرنا الله قريبا، وسنرجع لبيتنا، وننسى كل ما مضى.
في صباح يوم جديد جاءت اختها لتقول لها (شفت واحد وكأنه رضوان في فيديو في قناة الجزيرة وهوفي غيبوبة في تونس) ردت أميمة (اصلا رضوان مات تو تشوفي هكي نحس أنا) ردت (كان مات قالك مروان شن بيكذب عليك)اضافت أميمة (خلاص ياستي تو نشوفه الفيديو).
كانت تنتظر وقلبها يخفق بشدة حتى رأته ، فقالت (قلتلكم رضوان مات هذا مش هو يشبهله صح لكن مش هو وكان هو انا بحداه في تونس توه)، نظر لها الجميع وكأنهم يقولون يالقسوتها، ويالها من جبارة، وكأن الأمر لم يحزنها.





تموز (يوليو) 2011


هاتف أميمة يرن ، رقم غريب تتردد، ثم تجيب، تجده والدها تنحب بالبكاء وتقول أنت على قيد الحياة، لا أصدق، قال لها اطمئني ، اعتني بوالدتك واخواتك، هم الان أمانة في عنقك، وإن وفاني الأجل تأكدي أنني فعلت ذلك دفاعاً عن أرضي، وعرضي، اصبروا بالتأكيد اخوك قُتل ، فالسجون اكتظت، ومن يصل له القذافي لن يرحمه، اذهبي لوالدتك قولي لها أفقدي الأمل فولدك سبقك للآخرة، على نحيبها ، وتجيبه لا تقل هذا ارجوك، قال يجب أن تواجهوا الحياة، وإن لم أكن أنا موجود كوني أنت الأب والأخ اعرف أنك لن تخذليني، سيكون مروان معكم متى شئتم، اتصلت به قبلك، الآن سأقول لك إلى اللقاء، حتى يوم النصر ، وتأكدي إن نصر الله قريب.
اتصل بها مروان ليقول أن  والدها اتصل به لكي يكون معهم، عرض عليها الزواج مؤقتا ليكون معهم، لكنها رفضت، احتراما لرضوان وقالت انه صديقك كيف تفعل هذا به، قال لها أنه لم يقصد الخيانة ، ولكن لكي يكون رجل معهم فقط، فقال لها إذا اتفقت مع والدك على هذا أنت او أحدى اخواتك ، رفضت اميمة الموضوع كليا، قالت له نستطيع أن نعتني بنفسنا ، سأعتني بهم كما فعلت بالسابق، وإن احتجت شيئاً سأحادثك.
سألته عن رضوان قال لها إنه طلب مني معايدتك في عيد مولدك لكنني نسيت الأمر برمته وانشغلت ، ابتسمت ولكنها لم تستوعب كلامه في طلبها للزواج.




21 آب أغسطس 2011


دقت طبول التحرير، الكل فرح، ولكن الحزن يخيم على أميمة، والدتها سمعت أن السجون قُصفت وخرج مساجينها، وتقول سيخرج ابني، ولكن أميمة تتذكر كلام والدها بأنه قد مات، لم تستطع اخبارها.
في الظهيرة رن هاتف والدتها برقم غريب اخذت أميمة الهاتف وردت وجدت صوت أخيها ، لكنها تعيد الكلام بصوت عال لكي يسمعها،قالت ان الشبكة ضعيفه، سألها عن حالها وحال والدتها ووالدها واخواتها، ألم يفعل بهم القذافي شئ، كانت تسأله أين هو، بكى كثيراً، قالت سآتي إليك فقال لها لا تفعلي ، ردت إذا سأبعث بأحدهم ، اتصلت بمروان، لم يتردد ، ذهب وجلبه، رغم كل الأزمات، يبدو وكأنه شغف أميمة حباً، هكذا كان الكل يقول، ترد أميمة بل لأنه رجل فقط ، ليس كل الاهتمام مشاعر.
وصل أخاها، احتضن الكل ، والجميع بكى، لم يكن يسمع جيدا، كان اثار التعديب واضحاً على جسمه، ويديه، كان يحمل أضلاعا مكسورة لم يستطع النوم على جنبه، وكأنه رجع من الموت، بقى مروان معهم للإفطار لإصرار أميمة عليه، كانوا ينتظرون ماذا سيحدث ، فجأة اتصل والدها ، اخبرته بأن ولده بجانبها ، اعطته اياه لم يكن يسمعه جيدا ولكن كان يكفيه أنه على قيد الحياة، قالت له متى ستأتي ، قال لها غداً او بعده، كان الاخ يروي قصة اعتقاله وعذابه والكل يستمع، ومابين الحين والاخر يسرح لتلمع عيناه بدمع يريد أن يخفيه.
كانت تنتظر أميمة اللحظة ليكونوا معاً، لينجلي الحزن ، ليذهبوا إلى بيتهم، كانت ترتب أفكارها ماذا ستخبر رضوان، وماذا حدث في غيابه تفصيلاً، قالت سأكتب، ثم تراجعت ، قالت لننسى الأسى ونبدأ من جديد.




25 آب اغسطس 2011


كان موعد رجوعهم للبيت، ينتظر الكل ذلك بفارغ الصبر، والدها سيوافيهم هناك، جاء مروان و أحد اقارب أميمة لينقلونهم للبيت، كما أراد والدهم، دخلوا وجدوا والدهم ، كان الكل يبكي بكاء حزن وفرح ، إلتم شملهم أخيرا،
جاءت أخت أميمة لتقول لها (بوي يبيك في الفيراندا) ، خرجت أميمة ، احتضنها والدها وبكى، قالت له بدون أن تنهار أو تنساب منها الدموع،(رضوان استشهد أليس كذلك،من قال لك، قل لي متى؟) ، رد والدها وهو يبكي بحرقة (زي ما قلتي يوم 16مارس ، لقيت راجل خالته بو سراج قالي كانوا يحبوا بعض هو وسراج ماقدروش على فراق بعض ماتمش شهر لين لحقه) ، تذكرت كل شئ ونظرت من بعيد وجدت مروان هو يتهرب منها وهي تطلب منه المجيء........................












يتبع  
























ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق